التسوية قبل 15 كانون الثاني وتحت عنوان: الخروج من المحكمة والتمسّك بالطائف والدوحة

Read this story in English

أطلع الرئيس السوري بشّار الأسد رئيس الجمهورية ميشال سليمان، في اتصال معايدة أجراه معه الأحد في 26 كانون الأول، على فحوى مكالمة هاتفية كان قد أجراها بالملك السعودي عبد الله ونجله ومستشاره الأمير عبد العزيز، في نيويورك، حيال التسوية السعودية ـ السورية الموشكة على الإنجاز، بحسب ما كشفت صحيفة "الأخبار".

وأَفت الصحيفة " تنتظر دمشق ـ وفق ما أسرّ به الأسد لسليمان ـ في الأيام القليلة المقبلة زيارة عبد العزيز لوضع اللمسات الأخيرة على تلك التسوية، في ضوء أجوبة لا يزال الرئيس السوري ينتظرها من الملك السعودي.

وبحسب "الأخبار" فإن دمشق قد عكست الانطباع الإيجابي نفسه للمتردّدين على مسؤولين سوريين كبار، رجّحوا تحوّلاً رئيسياً في الوضع الداخلي "من الآن وإلى 15 كانون الثاني".

ورغم تأكيد المسؤولين السوريين أنه لا أحد يسعه الإفصاح عن مضمون التسوية السعودية ـ السورية، سوى ثلاثة هم المطلعون فعلاً عليها، الملك والرئيس السوري والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، فإن القليل القليل المعلوم عنها يتصل بمعطيات منها:

1 ـ تجاوزت احتمالات بلوغ التسوية تلك التي كانت ترجّح إخفاق الجهود التي بذلتها الرياض ودمشق في هذا الصدد. بذلك لا تتضمن عناوين التسوية بنوداً تفصيلية، المتروكة آلية إعدادها وتطبيقها للمسؤولين اللبنانيين وفق المسؤوليات الدستورية المعنيين بها، فضلاً عن القيادة المعنية بها مباشرة كحزب الله.

2 ـ للتسوية عنوانان عريضان، ومجالها إبصار النور قبل صدور القرار الاتهامي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري:

أولهما، إعادة لبنان النظر في موقفه من المحكمة الدولية، واتخاذه الإجراءات اللازمة لإخراجه منها، تبعاً للالتزامات القانونية والأمنية والقضائية والمالية التي تضمنها الاتفاق المعقود مع الأمم المتحدة على إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان. والدور الرئيسي في إخراج لبنان من المحكمة ـ لا المطالبة بإلغائها لاستحالة مطلب كهذا مرجعه مجلس الأمن فحسب ــ منوط بمجلس النواب. إلا أن الشرط الأساسي لإمرار هذا الهدف، تحقيق أوسع توافق وطني عليه في ظلّ مظلة سعودية ــ سورية فضفاضة، قادرة على استيعاب ردود الفعل السلبية وابتلاع التناقضات التي ستنشأ عن خيار محرج، لا يبدو رئيس الحكومة سعد الحريري وحلفاؤه جاهزين بعد لخوض مجازفته.

ثانيهما، تأكيد التمسّك باتفاقي الطائف والدوحة كوثيقتين ملازمتين، ليس لإدارة النظام والحكم في لبنان فقط، بل أيضاً لضمان الاستقرار فيه. وإذ ينصّ اتفاق الطائف على أحكام ميثاقية وأخرى دستورية، أوجد اتفاق الدوحة أعرافاً غير مسبوقة ولا مألوفة في توزيع السلطة على الأفرقاء المحليين وتقدير أحجامهم، وخصوصاً في ما يتصل بتكوين السلطة الإجرائية.

3 ـ تحمل حصة الحريري في التسوية الجديدة معالجة ملف شهود الزور على نحو نهائي بإحالته على المجلس العدلي، وفق توافق عام عليه في مجلس الوزراء، وترؤسه حكومة جديدة في مرحلة ما بعد وضع التسوية السعودية ــ السورية موضع التنفيذ.

كان رئيس الحكومة قد طلب، أكثر من مرة، زيارة نيويورك لعيادة الملك، إلا أن الجواب كان يأتيه بالاستمهال مرة تلو أخرى وتأجيل الموافقة على زيارته هذه، إلى أن أرسل في طلبه الأحد الماضي للسفر إلى هناك. وإذ تبدو عيادة الملك الجانب المعلن من الزيارة المفاجئة، فإن الجانب المخفي هو إطلاع الحريري على صيغة التسوية وملاحظاته عليها، مع الأخذ في الاعتبار ملاحظاته هذه من غير أن تمسّ القواعد الجوهرية للتسوية المتفق عليها بين الملك والرئيس السوري. ويصار في ضوء ذلك، من خلال الآليات اللبنانية لتطبيق الحلّ، مراعاة ملاحظات رئيس الحكومة ومآخذه.

إلا أن التسوية معدّة للتطبيق، لا لمناقشتها واستمزاج آراء الآخرين فيها، وليست بالتأكيد مادة للتفاوض والمناورة. إنها ورقة تفاهم عبد الله والأسد.

4 ـ على غرار ما اعتاده اللبنانيون، في العقدين المنصرمين، بإيكال تنفيذ التسويات الداخلية إلى سوريا تسليماً بالجغرافيا الطبيعية والسياسية، فكانت التسوية الأولى مع اتفاق الطائف والتسوية الثانية مع اتفاق الدوحة، ستكون دمشق الراعي المباشر لوضع المبادئ التي تنصّ عليها التسوية السعودية ــ السورية موضع التنفيذ، الأمر الذي سيفتح أمامها أبواباً جديدة لتوسّع نفوذها السياسي في الداخل، وخصوصاً في أوساط الحكم والسلطة مع توقع تأليف حكومة جديدة برئاسة الحريري تأخذ في الحسبان ــ في مرحلة ما بعد خروج لبنان من المحكمة الدولية ــ توازن القوى والتحالفات الداخلية الجديدة والتوسّع الجديد لنفوذ سوريا.

سيؤول ذلك، ودائماً بحسب صحسفة "الأخبار" إلى نتيجتين حتميتين:

الأولى، إعادة وصل علاقة الحريري بالرئيس السوري، وتجاوز القطيعة الناشبة بينهما منذ تشرين الأول الماضي، عبر زيارة رئيس الحكومة دمشق ترعى وساطتها الرياض، وتمهّد لوضع أسس جديدة لعلاقة الرجلين، وإعادة بناء الثقة الشخصية والسياسية بينهما بعد سلسلة مآخذ لدمشق على رئيس الحكومة لجهة إخلاله بتعهّدات كان قد قطعها للأسد. ذلك أنهما ـ إلى الأمين العام لحزب الله ـ سيكونان المعنيين المباشرين بتحديد الآليات اللبنانية للتسوية السعودية ـ السورية قبل انتقالها إلى مراحل لاحقة، من بينها ما يُناط بمجلس النواب ودور رئيسه الرئيس نبيه برّي.

الثانية، إعادة الروح إلى العلاقات اللبنانية ـ السورية التي أطبق عليها الجمود منذ قطيعة الأسد مع الحريري. إلا أن المرحلة التالية لتطبيق التسوية تتركز على تأكيد البلدان تمسّكهما بالعلاقات المميّزة وفق ما نصّ عليه اتفاق الطائف، وتفعيل مجالاتها انطلاقاً من تحريك دور المجلس الأعلى السوري ـ اللبناني.

عندما توقف الحريري عن زيارة دمشق، على أثر إصدار القضاء السوري مذكرات التوقيف الغيابية، علق العمل بكثير من اتفاقات وبروتوكولات كانت برسم الإبرام في زيارة كانت متوقعة لرئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري لبيروت، استكمالاً لزيارة الحريري لدمشق في نطاق هيئة المتابعة والتنسيق اللبنانية ـ السورية في 18 تموز المنصرم.

وتتابع الصحيفة إن هذه المعطيات أبرزَت قواعد التسوية السعودية ـ السورية والمراحل التالية لوضعها موضع التنفيذ، إلا أنها أفصحت كذلك عن جانب آخر لازم الأشهر التي رافقت جهود الرياض ودمشق منذ القمة السعودية ـ السورية في عاصمة الأمويين في 29 تموز، والقمّة الثلاثية السعودية ـ السورية ـ اللبنانية في بيروت في اليوم التالي، وهو التذبذب الذي رافق تلك الجهود بين مدّ وجزر استغرق طويلاً، من غير أن تتبيّن تماماً عناصر التسوية، إلى أن أوحى هذا التذبذب، على أثر مرض الملك، بانكفاء الدور السعودي. فتح ذلك أبواباً لدخول أطراف آخرين على خط التسوية، أبرزها قطر عندما زار رئيس وزرائها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني لبنان في زيارة مفاجئة وقصيرة، في 22 تشرين الثاني، التقى خلالها المسؤولين، في حمأة الخلاف بين الحريري وبرّي وحزب الله على ملف شهود الزور في مجلس الوزراء وخارجه.

في مسعاه إلى دور قطري لاستعجال إنهاء أزمة شهود الزور، التقى حمد بن جاسم والحريري على مخرج أطلقه رئيس الحكومة لاحقاً، وجعله شرطاً لإمرار جلسة مجلس الوزراء في 15 كانون الأول حيال هذا الملف، وهو تأليف هيئة استشارية قانونية تنظر فيه، رفضها رئيس المجلس وحزب الله. سرعان ما أضحى هذا الاقتراح مصدر وساطة قطرية ـ فرنسية، حملها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى طهران سعياً إلى تسويقها هناك، ففاجأه مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، في لقائهما في 20 كانون الأول، بموقف بالغ التصلّب عندما عدّ المحكمة الدولية باطلة.

استأثر ردّ فعل خامنئي بصدى مقابلة الرجلين، حاجباً العرض الذي حمله إليه الشيخ حمد بن خليفة، العامل بدوره على استيعاب تداعيات القرار الاتهامي بعد صدوره، من خلال حلّ موقت لا يمسّ المحكمة الدولية التي تكون عندئذ خارج البحث والخوض في عملها. وهو ما اتفق عليه مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.

رفض مرشد الجمهورية الإسلامية الاقتراح القطري ـ الفرنسي، ورفع النبرة عالياً بجعل إسقاط المحكمة الدولية أولوية تتقدّم القرار الاتهامي الذي أمسى عندئذ تفصيلاً.

وهو في الواقع موقف سوريا وحزب الله اللذين يعلقان التسوية على إنجازها قبل صدور القرار الاتهامي، ويرفضان الخوض في قاعدة معاكسة هي الانتقال بالمشكلة من عدم استباق القرار الاتهامي، إلى البحث في سبل تفادي تداعياته على الوضع الداخلي اللبناني.

يترافق ذلك مع معلومات متداولة في أوساطهما، يضفيان عليها طابع الجدّية، مفادها أن المدعي العام في المحكمة الدولية القاضي دانيال بلمار لم يتوصّل بعد إلى مشروع قرار اتهامي متكامل، ذي صدقية ومثبت بإثباتات قاطعة، يعرضه على قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين.

إلا أن الكرة لم تكن قد برحت مرة الملعب السعودي ـ السوري، فظلّ الحلّ بين يدي عبد الله والأسد.

التعليقات 0